الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****
1 - الثّنيّ في اللّغة: الّذي يلقي ثنيّته والجمع ثنيان وثناء، والأنثى ثنيّة وجمعها ثنيّات، ويكون ذلك في ذوات الظّلف والخفّ والحافر. والثّنيّة: واحدة الثّنايا وهي من الأسنان الأربع الّتي في مقدّم الفم ثنتان من فوق وثنتان من أسفل. والثّنيّة أيضا طريق العقبة بين الجبلين. 2 - واختلفت أقوال الفقهاء في المراد بالثّنيّة على النّحو التّالي: أ - الثّنيّ من الإبل: الثّنيّ من الإبل عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ما كان له خمس سنين وطعن في السّادسة، وعند المالكيّة ابن ستّ سنين، وهو ما رواه حرملة عن الشّافعيّ. ب - من البقر والجاموس: يرى الحنفيّة والحنابلة، وهو مذهب المالكيّة والمشهور عند الشّافعيّة، أنّ الثّنيّ من البقر والجاموس ما استكمل سنتين ودخل في الثّالثة. وذهب المالكيّة في قول: وهو ما رواه حرملة عن الشّافعيّ إلى أنّه ما استكمل ثلاث سنين، ودخل في الرّابعة. وللشّافعيّة قول ثالث: وهو أنّ الثّنيّ من البقر ما استكمل سنة. ج - من الضّأن والمعز: ذهب الحنفيّة والحنابلة، وهو قول للمالكيّة، ورواية عن الشّافعيّة إلى أنّه ما استكمل سنة ودخل في الثّانية. والمذهب عند المالكيّة وهو الأصحّ عند الشّافعيّة، أنّه ما استكمل سنتين ودخل في الثّالثة.
أ - الجذع: 3 - الجذع بفتحتين قبل الثّنيّ، وليس تسميته بسنّ تسقط أو تنبت، والجمع جذعان وجذاع، والأنثى جذعة، والجمع جذعات، وجذاع، وهي في اللّغة لولد الشّاة في السّنة الثّانية، ولولد البقرة وولد ذات الحافر في السّنة الثّالثة، وللإبل في السّنة الخامسة. وأمّا في الاصطلاح فاختلف الفقهاء فيه على أقوال ينظر تفصيلها في مصطلح: (جذع). ب - الحقّ: 4 - الحقّ بالكسر ما كان من الإبل ابن ثلاث سنين وقد دخل في الرّابعة، والأنثى حقّة وحقّ أيضا وإنّما سمّيت بذلك لأنّها استحقّت أن تركب ويحمل عليها، ويطرقها الفحل.
5 - تعرّض الفقهاء للثّنيّ في أبواب الزّكاة، والأضحيّة، والهدي، وذهبوا إلى جواز دفع الثّنيّ من الإبل، والبقر، والضّأن، والمعز في الزّكاة، وإجزائه في الأضحيّة. واختلفوا في المراد به على ما سبق (ف 2).
1 - الثّواب: العوض: واللّه يأجر عبده، أي يثيبه، وأصله من ثاب أي رجع، كأنّ المثيب يعوّض المثاب مثل ما أسدى إليه. والثّواب: الجزاء، لأنّه نفع يعود إلى المجزيّ، وهو اسم من الإثابة أو التّثويب، منه قوله في الهبة: ما لم يثب منها، أي ما لم يعوّض. والثّواب: جزاء الطّاعة، وكذلك المثوبة، قال تعالى: {لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيرٌ} وأعطاه ثوابه ومثوبته، أي جزاء ما عمله. وفي تعريفات الجرجانيّ: الثّواب ما يستحقّ به الرّحمة والمغفرة من اللّه تعالى، والشّفاعة من الرّسول صلى الله عليه وسلم. وقيل: الثّواب هو إعطاء ما يلائم الطّبع. وفي الفواكه الدّواني: الثّواب مقدار من الجزاء يعلمه اللّه تعالى يعطيه لعباده في نظير أعمالهم الحسنة المقبولة.
أ - الحسنة: 2 - الحسنة ما يتعلّق بها المدح في العاجل والثّواب في الآجل. وهي بذلك تكون سببا للثّواب. ب - الطّاعة: 3 - الطّاعة: الانقياد فإذا كانت في الخير كانت سببا للثّواب، وإذا كانت في المعصية كانت سببا في العقاب.
للثّواب عند الفقهاء إطلاقان: أ - الثّواب من اللّه تعالى لعباده جزاء طاعته. ب - الثّواب في الهبة " أي العوض الماليّ ". وبيان ذلك فيما يلي:
4 - الأصل أنّه لا يجب على اللّه شيء، بل الثّواب فضله والعقاب عدله {لا يُسْألُ عَمَّا يَفْعَلُ} والتّكاليف كلّها راجعة إلى مصالح العباد في دنياهم وأخراهم واللّه غنيّ عن عبادة الكلّ، لا تنفعه طاعة الطّائعين، ولا تضرّه معصية العاصين. وقد أجرى اللّه سبحانه وتعالى أحكامه في الدّنيا على أسباب ربطها بها، ليعرف العباد بالأسباب أحكامها، فيسارعوا بذلك إلى طاعته واجتناب معصيته، إذا وقفوا على الأسباب، فأمر المكلّفين كلّهم ونهاهم، وقد وعد من أطاعه بالثّواب، وتوعّد من عصاه بالعقاب.
5 - لا خلاف في أنّ المكلّف من المسلمين يثاب على الطّاعات، ويعاقب على المعاصي إلاّ أن يشمله اللّه بعفوه، لأنّ المكلّف هو المخاطب بالتّكاليف الشّرعيّة من أوامر ونواه وهي الّتي يترتّب عليها الثّواب والعقاب. 6- أمّا غير المكلّفين كالصّبيان والمجانين فالأصل أنّهم غير مخاطبين بالتّكاليف الشّرعيّة، غير أنّ الصّبيّ المميّز أهل للثّواب لما له من قدرة قاصرة، وتصحّ عبادته من صلاة، وصوم، واعتكاف، وحجّ، وغير ذلك ويكتب له ثواب ما يعمله، والدّليل على صحّة عبادته قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «مروا أولادكم بالصّلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين» وحديث صلاة ابن عبّاس مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «بتّ في بيت خالتي ميمونة فصلّى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم العشاء، ثمّ جاء فصلّى أربع ركعات، ثمّ نام، ثمّ قام فجئت فقمت عن يساره، فجعلني عن يمينه». وحديث تصويم الصّحابة الصّبيان يوم عاشوراء. فعن الرّبيّع بنت معوّذ قالت: «أرسل النّبيّ صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار: من أصبح مفطراً فليتمّ بقيّة يومه، ومن أصبح صائماً فليصم. قالت: فكنّا نصومه بعد ونصوّم صبياننا، ونجعل لهم اللّعبة من العهن. فإذا بكى أحدهم على الطّعام أعطيناه ذاك حتّى يكون عند الإفطار». وقد رجّح المالكيّة تعلّق النّدب والكراهة بالصّبيّ دون الواجبات والمحرّمات فيشترط لها البلوغ، وذلك لأمره بالصّلاة لسبع من الشّارع، بناء على أنّ الأمر بالأمر أمر بالشّيء المأمور به، وكذلك المجنون أهل للثّواب ; لأنّه يبقى مسلما بعد الجنون والمسلم يثاب. وينظر تفصيل ذلك في الملحق الأصوليّ: (صبيّ، جنون، أهليّة). 7 - واختلف الفقهاء فيما يفعله الكافر من أعمال البرّ ثمّ يسلم، هل ينفعه عمله السّابق أو لا ينفعه والأصل في ذلك ما رواه «حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول اللّه، أرأيت أشياء كنت أتحنّث بها في الجاهليّة من صدقة أو عتاقة ومن صلة رحم فهل فيها من أجر ؟ فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: أسلمت على ما أسلفت من خير». قال الحربيّ: معناه ما تقدّم لك من الخير الّذي عملته هو لك. وقال المازريّ: ظاهر الحديث أنّ الخير الّذي أسلفه، كتب له، لكنّ ابن حجر نقل عن المازريّ رواية أخرى في مكان آخر وهو أنّ الكافر لا يصحّ منه التّقرّب، فلا يثاب على العمل الصّالح الصّادر منه في شركه وتابعه القاضي عياض على ذلك. واستضعف النّوويّ رأي القائلين بعدم الثّواب وقال: الصّواب الّذي عليه المحقّقون بل نقل بعضهم فيه الإجماع أنّ الكافر إذا فعل أفعالا جميلة كالصّدقة وصلة الرّحم ثمّ أسلم ومات على الإسلام أنّ ثواب ذلك يكتب له، وقد جزم بما جزم به النّوويّ إبراهيم الحربيّ وابن بطّال وغيرهما من القدماء، والقرطبيّ وابن المنير من المتأخّرين. أمّا ما فعله الكافر من أعمال البرّ ثمّ مات على كفره، فقد أجمع العلماء على ما قال النّوويّ على أنّه لا ثواب له في الآخرة، وإنّما يطعم في الدّنيا بما عمله من الحسنات، وقد قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «إنّ اللّه لا يظلم مؤمناً حسنة يعطى بها في الدّنيا ويجزى بها في الآخرة، وأمّا الكافر فيطعم بحسنات ما عمل بها للّه في الدّنيا حتّى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يجزى بها».
8 - من المقرّر شرعاً أنّ الإنسان يثاب - بفضل اللّه - على ما يؤدّي من طاعات، واجبة كانت أو مندوبة، وعلى ما يترك من محرّمات ومكروهات. يقول اللّه تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثقَالَ ذَرَّةٍ خَيرَاً يَره وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرَّاً يَرَه}، ويقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «إنّ اللّه لا يظلم مؤمنا حسنة يعطى بها في الدّنيا ويجزى بها في الآخرة» لكنّ فعل الواجبات والمندوبات وترك المحرّمات والمكروهات ليس سببا في حدّ ذاته - للثّواب - مع أنّه قد يكون الفعل مجزئا ومبرئا للذّمّة والتّرك كافيا للخروج من العهدة، لأنّه يشترط لحصول الثّواب في الفعل والتّرك نيّة امتثال أمر اللّه تعالى. بل إنّ المباحات رغم أنّها لا تفتقر إلى نيّة، لكن إن أريد بها الثّواب بجعلها وسيلة للعبادة المشروعة افتقرت إلى نيّة. قال الشّاطبيّ: الأعمال بالنّيّات، والمقاصد معتبرة في التّصرّفات من العبادات والعادات، والأدلّة على هذا المعنى لا تنحصر، منها قوله تعالى: {ومَا أُمِرُوا إلاّ لِيَعْبُدوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ له الدِّينَ} وقوله صلى الله عليه وسلم: «إنّما الأعمال بالنّيّات،وإنّما لكلّ امرئ ما نوى». ومن القواعد الفقهيّة: لا ثواب إلاّ بالنّيّة، قال ابن نجيم: قرّر المشايخ في حديث. «إنّما الأعمال بالنّيّات»، أنّه من باب المقتضى، إذ لا يصحّ بدون تقدير لكثرة وجود الأعمال بدونها فقدّروا مضافاً أي حكم الأعمال، وهو نوعان: أخرويّ، وهو الثّواب واستحقاق العقاب، ودنيويّ وهو الصّحّة والفساد، وقد أريد الأخرويّ بالإجماع للإجماع على أنّه لا ثواب ولا عقاب إلاّ بالنّيّة، وساق ابن نجيم الأمثلة على ذلك في الأفعال والتّروك، ثمّ قال: ولا تشترط للثّواب صحّة العبادة، بل يثاب على نيّته وإن كانت فاسدة بغير تعمّده، كما لو صلّى محدثا على ظنّ طهارته. 9- بل إنّ الإنسان قد يثاب على ما لم يعمل، ويكون الثّواب على النّيّة لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «من همّ بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة» وقوله: «من أتى فراشه وهو ينوي أن يقوم يصلّي في اللّيل فغلبته عيناه حتّى أصبح كتب له ما نوى وكان نومه صدقة عليه من ربّه عزّ وجلّ» ويثاب كذلك على العمل وإن لم يقع الموقع المناسب، ففي البخاريّ حديث المتصدّق الّذي وقعت صدقته في يد زانية وغنيّ وسارق. وحديث «معن بن يزيد بن الأخنس الّذي أخذ صدقة أبيه من الرّجل الّذي وضعت عنده وقال له النّبيّ صلى الله عليه وسلم: لك ما نويت يا يزيد ولك ما أخذت يا معن» قال ابن حجر: هذا يدلّ على أنّ نيّة المتصدّق إذا كانت صالحة قبلت صدقته وإن لم تقع الموقع. وهذا في الجملة فقد قيل: إنّ القربات الّتي لا لبس فيها لا تحتاج إلى نيّة كالإيمان باللّه تعالى. وينظر تفصيل ذلك في (نيّة). لا خلاف في أنّ الثّواب يتعلّق بما هو من كسب الإنسان واكتسابه، أمّا ثواب ما ليس من كسبه فقد اختلف فيه. ويأتي ذلك في مواضع:
10 - يجوز عند الحنفيّة والحنابلة أن يجعل الإنسان ثواب ما أتى به من عبادة لغيره، سواء أكانت العبادة صلاة، أم صوما، أم حجّا، أم صدقة، أم قراءة وذكرا، وغير ذلك لظاهر الأدلّة على ذلك، ومنها قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءوا مِنْ بَعْدِهم يَقولونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لنا وَلإخوَاننا الَّذينَ سَبَقُونا بِالإيمانِ} وقوله تعالى: {وَاسْتَغْفِر لِذَنْبِكَ وللمؤمنينَ وَالمؤمناتِ} وقد «ضحّى النّبيّ صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أحدهما عنه والآخر عن أمّته»، وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه أنّ «رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال لعمرو بن العاص لمّا سأله عن أبيه: لو كان مسلما فأعتقتم عنه، أو تصدّقتم عنه، أو حججتم عنه بلغه ذلك». وغير ذلك من الأدلّة، وأمّا قوله تعالى: {وَأنْ ليسَ للإنسَانِ إلاّ مَا سَعَى} فمعناه لا يجب للإنسان إلاّ ما سعى. وعند المالكيّة يجوز فيما عدا الصّلاة والصّيام، وعند الشّافعيّة فيما عدا الصّلاة، وفي الصّيام وقراءة القرآن خلاف، واستدلّوا لذلك بالإجماع ولأنّ الصّلاة والصّيام لا تدخلها النّيابة في حال الحياة فكذلك بعد الموت. 11 - واختلف في إهداء الثّواب للنّبيّ صلى الله عليه وسلم فأجازه بعضهم ومنعه الآخرون. وقال ابن عبد السّلام في بعض فتاويه: لا يجوز أن يجعل ثواب القراءة للميّت لأنّه تصرّف في الثّواب من غير إذن الشّارع، لكنّ الحطّاب قال: التّصرّف الممنوع ما يكون بصيغة جعلته له، أو أهديته له، أمّا الدّعاء بجعل ثوابه له فليس تصرّفا بل سؤال لنقل الثّواب إليه ولا مانع منه. وللتّفصيل ينظر مصطلح (أداء / ف / 14، الموسوعة 2 / 334).
12 - من المعلوم أنّ فرض الكفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين، لكن هل يحصل ثواب ذلك لمن لم يفعل ؟ قال الفقهاء: الثّواب في فرض الكفاية يحصل لفاعله فقط، لأنّه ثواب الفعل نفسه، وهو لفاعله، وأمّا غير الفاعل فيستوي مع الفاعل في سقوط التّكليف، لا في الثّواب وعدمه، نعم إن كان نوى الفعل فله الثّواب على نيّته، قال بعض شرّاح الرّسالة من المالكيّة: يحصل الثّواب بغير من ردّ السّلام - أي بعد ردّ غيره - إذا نوى الرّدّ وتركه لأجل ردّ الغير، وإلاّ فلا. ونقل عن الأبيّ أنّ الثّواب يحصل مطلقا قال الزّرقانيّ: وفيه تعسّف. 13 - الأصل في ذلك قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «ما من مصيبة تصيب المسلم إلاّ كفّر اللّه بها عنه حتّى الشّوكة يشاكها». وفي رواية أخرى: «ما يصيب المسلم من نصب، ولا وصب، ولا همّ، ولا حزن، ولا أذى، ولا غمّ، حتّى الشّوكة يشاكها إلاّ كفّر اللّه بها من خطاياه». قال الشّاطبيّ: إن كانت المصائب من فعل الغير، كفّر بها من سيّئاته، وأخذ بها من أجر غيره، وحمل غيره وزره كما في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه في المفلس يوم القيامة، وإن كانت المصائب من اللّه تعالى: فهي كفّارات فقط، أو كفّارات وأجور. وقال القرافيّ والعزّ بن عبد السّلام: المصائب كفّارات للذّنوب قطعا، سواء أسخط، أم رضي، غير أنّه إن صبر ورضي اجتمع مع التّكفير الثّواب، فالمصائب لا ثواب فيها من جهة أنّها مصيبة، لأنّها غير مكتسبة، والتّكفير بالمصيبة يقع بالمكتسب وغير المكتسب. وقال ابن حجر: التّحقيق أنّ المصيبة كفّارة لذنب يوازيها، وبالرّضا يؤجر على ذلك، فإن لم يكن للمصاب ذنب عوّض عن ذلك من الثّواب بما يوازيه. وقالت الحنفيّة: ما ورد به السّمع من وعد الرّزق، ووعد الثّواب على الطّاعة، وعلى ألم المؤمن، وألم طفله، حتّى الشّوكة يشاكها محض فضل وتطوّل منه تعالى لا بدّ من وجوده لوعده الصّادق.
يتفاوت الثّواب قلّة وكثرة باعتبارات مختلفة، ومن ذلك ما يلي: أ - من حيث المشقّة: 14 - الأصل أنّ المشقّة من حيث هي غير مقصودة للشّارع، فإنّ الحرج مرفوع عن المكلّف، ولكنّ المشقّة في الجملة مثاب عليها إذا لحقت في أثناء التّكليف، ويختلف أجر تحمّل المشاقّ بشدّة المشاقّ وخفّتها، والضّابط في ذلك أنّ الفعلين إذا اتّحدا في الشّرف، والشّرائط، والسّنن، والأركان، وكان أحدهما شاقّا فقد استويا في أجرهما لتساويهما في جميع الوظائف، وانفرد أحدهما بتحمّل المشقّة لأجل اللّه سبحانه وتعالى، فأثيب على تحمّل المشقّة لا على عين المشاقّ، وذلك كالاغتسال في الصّيف والرّبيع بالنّسبة إلى الاغتسال في شدّة برد الشّتاء، فيزيد أجر الاغتسال في الشّتاء لأجل تحمّل مشقّة البرد، وكذلك مشاقّ الوسائل في من يقصد المساجد، والحجّ، والغزو، من مسافة قريبة، ومن يقصد هذه العبادات من مسافة بعيدة، فإنّ ثوابها يتفاوت بتفاوت الوسيلة، ويتساوى من جهة القيام بسنن هذه العبادات وشرائطها وأركانها، فإنّ الشّرع يثيب على الوسائل إلى الطّاعات، كما يثيب على المقاصد مع تفاوت أجور الوسائل والمقاصد، وكذلك جعل لكلّ خطوة يخطوها المصلّي إلى إقامة الجماعة رفع درجة وحطّ خطيئة، وجعل أبعدهم ممشى إلى الصّلاة أعظم أجرا من أقربهم ممشى إليها، وجعل للمسافرين إلى الجهاد بما يلقونه من الظّمأ، والنّصب، والمخمصة، والنّفقة الصّغيرة والكبيرة، وقطع الأودية، وبما ينالونه من الأعداء أجر عمل صالح، وعلى ذلك إذا كانت المشقّات من حيث هي مشقّات مثابا عليها زيادة على معتاد التّكليف دلّ على أنّها مقصودة له، وإلاّ فلو لم يقصدها لم يقع عليها ثواب. ب - تفاوت الثّواب من حيث الزّمان: 15 - من ذلك تفضيل شهر رمضان على غيره من الشّهور، وتفضيل صوم يوم عاشوراء وعرفة على غيرهما من الأيّام، وتفضيل العمل في ليلة القدر على غيرها من اللّيالي مع مساواتها لقيام كلّ ليلة من رمضان، وتفضيل الثّلث الأخير من اللّيل على غيره من الأزمنة. وغير ذلك. وقد ورد في ذلك الكثير من الأدلّة. منها قول اللّه تعالى: {ليلةُ القَدرِ خَيرٌ مِنْ ألفِ شَهْرٍ}. ج - تفاوت الثّواب من حيث المكان: 16 - تفضّل اللّه سبحانه وتعالى بتضعيف الأجور على العبادة في بعض الأماكن، فجعل الصّلاة في المسجد الحرام أفضل من الصّلاة في مسجد المدينة مع التّساوي في الصّلاة، والصّلاة في مسجد المدينة أفضل من الصّلاة في المسجد الأقصى، والصّلاة في المسجد الأقصى أفضل من الصّلاة في غيره، وكتفضيل عرفة، والمطاف والمسعى ومزدلفة، ومنى، ومرمى الجمار ونحو ذلك من البقاع الّتي ورد الشّرع بتفضيلها على غيرها. يقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلاّ المسجد الحرام». د - تفاوت الثّواب من حيث المصلحة في الفعل: 17 - من ذلك الإيمان فإنّه أفضل من جميع الأعمال بكثرة ثوابه، فإنّ ثوابه الخلود في الجنّة والخلوص من النّار. وصلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذّ بسبع وعشرين صلاة.
18 - لا تلازم بين صحّة العبادة وإجزائها وبين بطلان ثوابها، فإنّ العبادة قد تكون صحيحة مجزئة لاستكمال أركانها وشرائطها، ولكن لا يستحقّ فاعلها الثّواب، لما يقترن بها من المقاصد والنّيّات الّتي تبطل ثمرتها في الآخرة، ودليل ذلك قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «إنّما الأعمال بالنّيّات وإنّما لكلّ امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه». ومن ذلك الرّياء فإنّه يبطل ثواب العبادة في الجملة. 19 - وقد يصحّ العمل ويستحقّ فاعله الثّواب ولكن يتبعه بما يبطل هذا الثّواب، فالمنّ والأذى يبطل أجر الصّدقة لقوله تعالى: {يا أَيُّها الَّذينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالمَنِّ وَالأذى} يقول ابن القيّم: فمثل صاحبها وبطلان عمله {كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عليه تُرابٌ فَأَصَابَه وَابِلٌ فَتَرَكَه صَلْدَاً}، ومن المعاصي ما يبطل ثواب العبادة، فقد قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «من أتى عرّافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة». قال النّوويّ: معناه أنّه لا ثواب له فيها وإن كانت مجزئة في سقوط الفرض عنه. 20 - والإشراك باللّه يبطل صحّة العمل وثوابه لقوله تعالى:{لَئنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}. وفي ذلك تفصيل ينظر في: (ردّة). 21 - المقصود بالثّواب في الهبة العوض الماليّ، والأصل في الهبة أن لا يكون فيها عوض مادّيّ، لأنّها تبرّع وليست معاوضة، إلاّ أنّه يجوز التّعويض فيها وتسمّى هبة الثّواب، وهي الهبة الّتي يتمّ الاعتياض عنها، والعوض في الهبة إمّا أن يشترط في العقد أو لا: فإن اشترط في العقد وكان معلوما صحّ العقد عند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة والشّافعيّة في الأظهر نظرا للمعنى عندهم، والقول الثّاني للشّافعيّة: أنّ العقد باطل نظرا إلى اللّفظ لتناقضه، فإنّ لفظ الهبة يقتضي التّبرّع. وإذا صحّ العقد اعتبر بيعا أو كالبيع في الجملة. ويكون له أحكام البيع فيثبت فيه حقّ الخيار، وحقّ الرّدّ بالعيب، وحقّ الشّفعة، ويسقط حقّ الرّجوع إلاّ أنّ الحنفيّة اشترطوا لإسقاط حقّ الرّجوع التّقابض، وروي عن أحمد ما يقتضي أن يغلّب فيها حكم الهبة فلا تثبت فيها أحكام البيع. 22 - وإذا اشترط العوض وكان مجهولا صحّ العقد عند الحنفيّة والمالكيّة وهو ظاهر كلام أحمد ومقابل المذهب عند الشّافعيّة. إلاّ أنّ العقد عند الحنفيّة يعتبر هبة ابتداء وانتهاء، فيجوز الرّجوع فيها على أصل مذهبهم الّذي يجيز الرّجوع في الهبة. وقال المالكيّة: للموهوب له دفع القيمة أو ردّ الهبة، فإذا دفع القيمة ألزم الواهب قبولها، وإذا لم يدفع كان للواهب الرّدّ، وهو ظاهر كلام أحمد. والمذهب عند الشّافعيّة والحنابلة بطلان العقد، وحكمه حكم البيع الفاسد. 23 - وإن وهب مطلقا دون تقييد بثواب أو عدمه فعند الشّافعيّة لا ثواب إن وهب الشّخص لمن هو دونه، وكذا الأعلى منه في الأظهر ولنظيره على المذهب. وعند المالكيّة يصدّق الواهب في قصده ما لم يشهد العرف بضدّه. وعند الحنفيّة والحنابلة لا تقتضي ثوابا، أي عوضا، والعوض في الهبة المطلقة عند من يقول به هو قيمة الموهوب أو ما يعتبر ثوابا لمثله عادة. 24 - ومن أحكام هبة الثّواب - غير ما تقدّم من ثبوت حقّ الشّفعة، والخيار، وإسقاط الرّجوع - أنّ وليّ الصّغير لا يجوز له أن يهب من مال الصّغير هبة ثواب، وذلك عند أبي حنيفة وأبي يوسف لأنّها هبة ابتداء يتوقّف الملك فيها على القبض، وإنّما تصير معاوضة انتهاء، والوليّ لا يملك الهبة فلم ينعقد هبة، فلا يتصوّر صيرورتها معاوضة يملكها الوليّ كالبيع، والحكم كذلك بالنّسبة لغير الأب عند المالكيّة. وذهب الحنابلة ومحمّد من الحنفيّة والمالكيّة بالنّسبة للأب إلى أنّه يجوز للوليّ أن يهب من مال الصّغير هبة ثواب ; لثبوت العوض فيها فكانت في معنى البيع فيجوز للوليّ، كالبيع. وهذا كلّه في الجملة، وينظر تفصيل ذلك في: (هبة - شفعة - خيار).
1 - الثّول داء يشبه الجنون، قال صاحب القاموس: الثّول استرخاء في أعضاء الشّاء خاصّة، أو كالجنون يصيبها فلا تتبع الغنم وتستدير في مرتعها. وقال ابن الأثير: هو داء يأخذ الغنم كالجنون يلتوي معه عنقها، وقيل هو داء يأخذ في ظهورها ورءوسها فتخرّ منه، والثّولاء من الشّاء، وغيرها المجنونة، والذّكر أثول. ولا يخرج استعمال الفقهاء لهذا اللّفظ عن المعنى اللّغويّ. قال الرّمليّ: الثّولاء هي المجنونة الّتي تستدبر الرّعي ولا ترعى إلاّ القليل، وذلك يورث الهزال.
الهيام: 2 - من معاني الهيام أنّه داء يصيب الإبل من ماء تشربه مستنقعا، أو هو عطش شديد لا ترتوي معه بالماء، فتهيم في الأرض ولا ترعى. والواحد هيمان، والأنثى هيمى والصّلة بين الهيماء والثّولاء أنّ كلا منهما مصابة بآفة تمنعها من السّوم والرّعي.
3 - يرى الشّافعيّة والمالكيّة على المذهب عدم إجزاء الثّولاء في الأضحيّة، إلاّ أنّ المالكيّة خصّوا عدم الإجزاء بالشّاة دائمة الجنون الّتي فقدت التّمييز بحيث لا تهتدي لما ينفعها ولا تجانب ما يضرّها، أمّا الجنون غير الدّائم فلا يضرّ عندهم. وذهب الحنفيّة وابن عبد البرّ من المالكيّة إلى جواز التّضحية بالثّولاء، إلاّ أنّ الحنفيّة قيّدوا جواز التّضحية بها بما إذا كانت تعتلف، أمّا إذا كان الثّول يمنعها من الرّعي والاعتلاف فلا تجوز ; لأنّه يفضي إلى هلاكها فكان عيبا فاحشا. كما قيّد ابن عبد البرّ جواز التّضحية بالثّولاء بكونها سمينة. ولم نر نصّاً في ذلك للحنابلة. وللتّفصيل: (ر: أضحيّة).
انظر: لباس، لبس.
1 - الثّيوبة مصدر صناعيّ من ثاب يثوب إذا رجع، ويقال للإنسان إذا تزوّج ثيّب، وإطلاقه على المرأة أكثر: لأنّها ترجع إلى أهلها بوجه غير الأوّل. وورد في الخبر: «البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثّيّب بالثّيّب جلد مائة والرّجم». ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ لكلمة الثّيوبة عن المعنى اللّغويّ. وقريب من الثّيوبة (الإحصان) لأنّه حصول الوطء في نكاح صحيح.
أ - البكارة: 2 - البكارة هي: عذرة المرأة، ومولود بكر إذا كان أوّل ولد أبويه فالبكارة بالمعنى الأوّل ضدّ الثّيوبة لا يجتمعان ولا يرتفعان. ب - الإحصان: 3 - من معاني الإحصان: التّزوّج، وهو شرعا النّكاح الصّحيح المقترن بالدّخول مع البلوغ والإسلام. والفرق بين الثّيوبة والإحصان أنّ الثّيوبة قد تكون بالوطء بالزّواج وقد تكون بغيره.
4 - يختلف المراد بالثّيوبة باختلاف مواطن بحثها. فبالنّسبة لاشتراط البكارة في الزّواج، وفي ردّ الأمة المبيعة على أنّها بكر إذا ظهرت ثيّباً. وكذلك في الوكالة بالتّزويج، والوصيّة للبكر أو الثّيّب. يراد بالثّيوبة زوال العذرة مطلقا بجماع أو غيره. ويراد بالثّيوبة في استئمار الثّيّب في النّكاح زوال العذرة بالجماع فقط، ويراد بالثّيوبة في الرّجم بالزّنا للرّجل أو المرأة سبق الوطء في نكاح صحيح بشروطه. ويرجع في تفصيل ذلك إلى مواطنها في كتب الفقه ومصطلحات: (نكاح، ووصيّة، وزنا).
5 - يظهر أثر الثّيوبة في الكبيرة والصّغيرة في النّكاح. أمّا الكبيرة فلا يجوز تزويجها إلاّ بإذنها في قول عامّة أهل العلم، واستدلّوا بما روى أبو هريرة أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: «لا تنكح الأيّم حتّى تستأمر» متّفق عليه. وروى عبد اللّه بن عبّاس رضي الله تعالى عنهما عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «ليس للوليّ من الثّيّب أمر». وبقوله صلى الله عليه وسلم: «الأيّم أحقّ بنفسها من وليّها» وقال الحسن البصريّ: للأب تزويج الثّيّب الكبيرة وإن كرهت. وأمّا الثّيّب الصّغيرة: فذهب الحنفيّة والمالكيّة، والحنابلة في وجه إلى أنّ للأب أن يزوّج بنته الثّيّب الصّغيرة ولا يستأمرها، لأنّها صغيرة فجاز إجبارها كالبكر والصّبيّ. ويرى الشّافعيّة والحنابلة في وجه آخر أنّه لا يجوز تزويجها لعموم الأخبار المستلزمة استئمارها، وعبارتها في الأمر غير معتبرة لصغرها، ولأنّ الإجبار يختلف بالبكارة والثّيوبة لا بالصّغر والكبر، وهذه ثيّب، ولأنّ في تأخيرها فائدة، وهي أنّ تبلغ فتختار لنفسها. 6- ولا خلاف بين أهل العلم في أنّ إذن الثّيّب النّطق من النّاطقة، والإشارة أو الكتابة من غيرها لقوله عليه الصلاة والسلام: «الثّيّب تشاور» ولأنّ النّطق لا يعتبر عيبا منها. والثّيّب المعتبر نطقها هي الموطوءة في القبل إذا كان الوطء حلالا، وهذا هو مذهب الحنفيّة والمالكيّة على المشهور، وهو ما حكي عن الشّافعيّ في القديم. وذهب الشّافعيّة والحنابلة وهو قول للمالكيّة وأبي يوسف ومحمّد من الحنفيّة أنّه لا فرق في الثّيوبة بين الوطء الحلال والحرام إذا كان في القبل، وأمّا إن ذهبت عذرتها بغير جماع، فحكمها حكم الأبكار عند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة والشّافعيّة في الأصحّ. ويرى الشّافعيّة في وجه أنّها كالثّيّب لزوال العذرة. 7- وقد تكلّم الفقهاء على أحكام الثّيوبة في النّكاح عند الكلام عن العيوب المجوّزة للفسخ، فرأى بعض الفقهاء أنّه إذا شرط الزّوج بكارة الزّوجة فتبيّنت ثيّبا فله الفسخ، وينظر التّفصيل في مصطلح بكارة، كما تكلّموا عنها في باب القسم بين الزّوجات في البيتوتة إذا تزوّج ثيّبا وعنده غيرها، فإنّه يبيت عندها ثلاثا ثمّ يقسم، وفي الشّهادة لإثبات الثّيوبة حيث تقبل شهادة النّساء والتّفصيل في مصطلح: (قسم بين الزّوجات).
1 - الجائحة في اللّغة الشّدّة، تجتاح المال من سنة أو فتنة، وهي مأخوذة من الجوح بمعنى الاستئصال والهلاك، يقال: جاحتهم الجائحة واجتاحتهم، وجاح اللّه ماله وأجاحه بمعنى، أي أهلكه بالجائحة. وتكون بالبرَد يقع من السّماء إذا عظم حجمه فكثر ضرره، وتكون بالبرد أو الحرّ المفرطين حتّى يفسد الثّمر. والجائحة عند الفقهاء كما قال ابن القاسم من المالكيّة وتبعه أكثرهم: كلّ شيء لا يستطاع دفعه لو علم به، كسماويّ، كالبرد والحرّ، ومثل ذلك ريح السّموم، والثّلج، والمطر، والجراد، والفئران والغبار، والنّار ونحو ذلك، أو غير سماويّ وجيش، وأمّا فعل السّارق ففيه خلاف عندهم محلّه إذا لم يعلم، أمّا إذا علم فإنّه لا يكون جائحة على قول ابن القاسم وأكثر المالكيّة، لأنّه يستطاع دفعه ويكون جائحة عند غيرهم. وعرّفها الشّافعيّة والحنابلة بأنّها كلّ ما أذهب الثّمرة أو بعضها بغير جناية آدميّ، كريح ومطر وثلج، وبرد، وجليد، وصاعقة، وحرّ، وعطش ونحوها.
أ - الآفة: 2 - وهي في اللّغة عرض يفسد ما يصيبه، وهي العاهة، والجمع آفات. والآفة أعمّ من الجائحة من جهة أنّها قد تتلف الزّرع والثّمر أو لا تتلفه، والجائحة أعمّ من جهة أنّها قد تكون بمرض، أو حرّ، أو حريق، أو نحوه، والفقهاء يستعملون الآفة بالمعنى اللّغويّ ويقيّدونها في الغالب بكونها سماويّة أي إنّها لا صنع فيها لآدميّ، والآفة قد تكون عامّة كالحرّ والبرد المفرطين، وتكون خاصّة كالجنون. ب - التّلف: 3 - التّلف الهلاك. يقال: تلف الشّيء تلفا إذا هلك فهو تالف وأتلفته، ورجل متلف لماله ومتلاف للمبالغة. فالجائحة سبب من أسباب التّلف.
4 - الجائحة نوعان: أ - جائحة لا دخل لآدميّ فيها. ب - وجائحة من قبل الآدميّ كفعل السّلطان والجيش، والسّارق، على قول من جعل فعل الآدميّ جائحة. أمّا القسم الأوّل: فلا خلاف بين الفقهاء في كونه جائحة وهو عند المالكيّة على ضربين: جائحة من قبل الماء، وجائحة من قبل غير الماء. فأمّا الجائحة من قبل الماء، فإن كانت من قبل العطش فقد قال مالك في الواضحة: يوضع قليل ذلك وكثيره سواء أكانت شرب مطر أم غيره، وكذلك قال ابن القاسم، ووجه ذلك أنّ هذه منفعة من شروط تمامها السّقي، فوجب أن يوضع عن المشتري قليلها وكثيرها لمنفعة الأرض المكتراة، والفرق بينها وبين سائر الجوائح أنّ سائر الجوائح لا تنفكّ الثّمرة من يسيرها، وهذه تنفكّ الثّمرة من يسيرها، فالمشتري داخل على السّلامة منها، ولم يدخل على سلامتها من يسير العفن والأكل، وأمّا الجائحة بكثرة المطر فهو نوع من العفن فكان حكمه حكم سائر العفن يضع كثيره دون قليله. وأمّا القسم الثّاني: وهو الجائحة الّتي تكون من الآدميّين كالسّرقة، ففيها الخلاف، فمنهم من لم ير ذلك جائحة، لقوله صلى الله عليه وسلم فيما روى أنس «إذا منع اللّه الثّمرة» ومنهم من جعله جائحة لدخوله في حدّ الجائحة عندهم.
أ - أثر الجائحة في الزّكاة: 5 - جاء في المغني: إذا خرص التّمر وترك في رءوس النّخل فعليهم حفظه، فإن أصابته جائحة فذهبت الثّمرة سقط عنهم الخرص، ولم يؤخذوا به، ولا نعلم في هذا خلافاً. قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أنّ الخارص إذا خرص الثّمرة ثمّ أصابته جائحة فلا شيء على المالك إذا كان قبل الجذاذ ; ولأنّه قبل الجذاذ في حكم ما لا تثبت اليد عليه، بدليل أنّه لو اشترى ثمرة فتلفت بجائحة رجع بها على البائع. ثمّ ذكر الحنفيّة وهم الّذين يعبّرون عن الجائحة بالآفة أو التّلف أو الهلاك عددا من الصّور في هلاك المال الّذي تجب فيه الزّكاة كهلاك النّصاب، أو بعضه، وهلاك سائمة البدل بعد الحول، وهلاك العفو، وبقاء النّصاب، وهلاك البدل إن استبدله بعد الحول. واشترطوا في المال الّذي تسقط الزّكاة بهلاكه أن يحول عليه الحول فيهلك من غير تعدّ منه أو استهلاك قبل أداء الزّكاة ; لأنّ الواجب عندهم جزء من النّصاب تحقيقا للتّيسير فيسقط بهلاك محلّه. وهذا هو قول الشّافعيّ في الجديد، وهو الأصحّ عند الشّافعيّة لأنّه حقّ يتعلّق بالمال يسقط بهلاكه، فتعلّق بعينه كحقّ المضارب. وعلى هذا فإذا أصابت الثّمار آفة سماويّة بعد الخرص، أو سرقت من الشّجرة أو الجرين، فإن تلفت كلّها بغير تعدّ أو تقصير فلا شيء على المالك باتّفاق الشّافعيّة لفوات الإمكان. فإن كان الباقي نصابا زكّاه، وعلى القديم لا يسقط شيء بالتّلف بغير تعدّ أو تقصير، لأنّه وجب في الذّمّة. وذكر المالكيّة أنّ الزّرع إن أصيب بجائحة بعد الخرص اعتبرت تلك الجائحة في جانب السّقوط، فيزكّي ما بقي إن وجبت فيه الزّكاة وإلاّ فلا، والحاصل كما في الدّسوقيّ أنّ الجائحة الّتي لا توضع عن المشتري لا توضع عن البائع في الزّكاة، وما توضع عن المشتري توضع عن البائع زكاتها. ووجوب الزّكاة عند الحنابلة لا يستقرّ في الثّمار والزّروع إلاّ بجعلها في جرين، أو بيدر، أو مسطاح، فإن تلفت قبله بغير تعدّ منه سقطت الزّكاة خرصت الثّمرة أو لم تخرص. وتفصيل ذلك يذكره الفقهاء في الزّكاة. ب - أثر الجائحة في البيع: 6 - «أمر النّبيّ صلى الله عليه وسلم بوضع الجوائح» وقد حمله أكثر الفقهاء على أن يسقط البائع عن المشتري للثّمرة أو الزّرع ثمن ما يتلف منه الجائحة. فالمبيع إن كان ثمرا أو زرعا، وأصيب بجائحة قبل القبض وبدوّ الصّلاح، أو بعدهما، أو أجيح بعد بدوّ الصّلاح وقبل الجذاذ فيتفرّع على ذلك مسائل منها ما يلي:
7 - اتّفق الفقهاء على أنّ ما لا يحتاج إلى بقائه في أصله لتمام صلاحه ولا لبقاء نضارته كالتّمر اليابس والزّرع، فلا خلاف في أنّه لا يوضع فيه جائحة، لأنّ تسليمه قد كمل بتخلّي البائع عنه إلى المبتاع، لأنّه ليس له في أصله منفعة مستثناة يستنظر استيفاؤها، فصار ذلك بمنزلة الصّبرة الموضوعة في الأصل، وأمّا ما يحتاج إلى بقائه في أصله لحفظ نضارته أي لمعنى مقترن به كالعنب، يشترى بعد بدوّ صلاحه، فقد ذكر المالكيّة فيه مسائل اختلفوا فيها ويجب ردّها إلى أصل واحد، وهو كما يفهم من المنتقى عدم الحاجة إلى التّبقية لتمام نضج أو بدوّ صلاح.
8 - ذكر المالكيّة أنّ المبيع الّذي تصيبه الجائحة ثلاثة أنواع: أحدها: ثمار التّين، والتّمر، والعنب وما جرى مجراها من الجوز، واللّوز، والتّفّاح، فهذه يراعى في جوائحها الثّلث، فإن كان الّذي تلف أقلّ من ثلث الثّمار فلا يوضع عن المشتري شيء، وإن بلغ التّالف منها الثّلث وضع عنه جميع الجائحة. وإنّما اعتبر الثّلث لأنّ الثّلث فرق بين القليل والكثير، كما ورد في الوصيّة في قوله صلى الله عليه وسلم: «الثّلث والثّلث كثير». الثّاني: البقول والأصول المغيّبة ممّا الغرض في أعيانها دون ما يخرج منها،ففيها روايتان: أحدهما: انتفاء وضع الجوائح فيها. والثّانية: إثبات حكم الجائحة فيها. فعلى القول بإثبات حكم الجائحة فيها فهل يعتبر فيها الثّلث أم لا ؟ روى ابن القاسم عن مالك أنّ الجائحة توضع فيها قليلها وكثيرها، بلغت الثّلث أو قصرت عنه، وفي المدوّنة عن ابن القاسم عن مالك إلاّ أن يكون التّالف شيئا تافها، وروى عليّ بن زياد عنه لا يوضع من جائحتها إلاّ ما بلغ الثّلث. الثّالث: وهو نوع جرى مجرى البقول في أنّ أصله مبيع مع ثمرته، ويجري مجرى الأشجار في أنّ المقصود منه ثمرته، كالقثّاء، والبطّيخ، والقرع، والباذنجان، والفول، والجلبان، فهذا النّوع يعتبر في جائحته الثّلث على رواية ابن القاسم، وعليه جميع المالكيّة، ووجهه أنّ المقصود من البيع الثّمرة، فوجب أن يكون حكمها حكم سائر الثّمار، وقال أشهب في كتاب ابن الموّاز المقاثي، كالبقل توضع الجائحة فيها قليلها وكثيرها دون اعتبار الثّلث. ووجهه أنّ هذا نبات ليس له أصل ثابت فلم يعتبر فيه الثّلث كالبقول. وقد ذكر ابن جزيّ أنّه إذا كان المبيع من الثّمار أجناسا مختلفة كالعنب، والتّين في صفقة واحدة فأصابت الجائحة صنفا منها وسلم سائرها فجائحة كلّ جنس معتبرة بنفسه، فإن بلغت ثلثه وضعت، وإن قصرت عنه لم توضع. وقال أصبغ: يعتبر الجملة، فإن كانت الجائحة ثلث الجميع وضعت وإلاّ فلا. 9- ولو اشترط البائع عند بيع الثّمر أن لا يضع الجائحة عن المشتري. إن حصلت فإنّه يكون عند المالكيّة شرطا فاسدا ولو فيما عادته أن يجاح ويصحّ العقد لندرة الجائحة، وكذا لو شرط البائع ذلك لنفسه بعد العقد. وإذا فسد الشّرط فلا يقابله من الثّمن شيء. وقال أبو الحسن: يفسد العقد بذلك الشّرط أي لزيادة الغرر. وذهب الحنابلة والشّافعيّ في القديم إلى وضع الجوائح في الثّمار. قال الحنابلة: هو في القليل والكثير، إلاّ أنّ الشّيء التّافه لا يلتفت إليه، فإذا تلف شيء له قدر خارج عن العادة وضع من الثّمن بقدر الذّاهب، فإن تلف الجميع بطل العقد، ورجع المشتري بجميع الثّمن، وفي رواية أخرى أنّ ما كان يعدّ دون الثّلث فهو من ضمان المشتري ولا يوضع عن البائع شيء ويعتبر ثلث المبلغ (المقدار) وقيل ثلث القيمة، فإن تلف الجميع أو أكثر من الثّلث رجع بقيمة التّالف كلّه من الثّمن. وذهب الحنفيّة والشّافعيّ في أصحّ قوليه في الجديد، واللّيث بن سعد، وآخرون، إلى أنّ الثّمار المبيعة تكون بعد التّخلية في ضمان المشتري ولا يجب وضع الجائحة ولكن يستحبّ. قال الشّافعيّ في الأمّ: إنّ الرّجل إذا اشترى الثّمر فقبضه فأصابته جائحة فسواء من قبل أن يجفّ أو بعدما جفّ ما لم يجدّه، وسواء كانت الجائحة أصابت ثمرة واحدة أو أتت على جميع المال لا يجوز فيها إلاّ واحد من قولين، إمّا أن يكون لمّا قبضها وكان معلوما أن يتركها إلى الجذاذ كان في غير معنى من قبض فلا يضمن إلاّ ما قبض، كما يشتري الرّجل من الرّجل الطّعام كيلا، فيقبض بعضه ويهلك بعضه قبل أن يقبضه فلا يضمن ما هلك، لأنّه لم يقبضه، ويضمن ما قبض، وإمّا أن يكون إذا قبض الثّمرة كان مسلّطا عليها إن شاء قطعها وإن شاء تركها، فما هلك في يديه فإنّما هلك من ماله لا من مال البائع، فأمّا ما يخرج من هذا المعنى فلا يجوز أن يقال يضمن البائع الثّلث إن أصابته جائحة فأكثر، ولا يضمن أقلّ من الثّلث لأنّه إنّما اشتراها بيعة واحدة وقبضها قبضاً واحداً. 10 - فخلاصة ما قاله العلماء في هذا تنحصر في ثلاثة أقوال: أحدها: وضع الجائحة مطلقا سواء ما زاد على الثّلث أو نقص عنه، وهو مذهب الحنابلة ومذهب الشّافعيّ في القديم. بالإضافة إلى ما سبق ذكره عن المالكيّة في الثّمار وفيما زاد عن الثّلث. واستدلّوا بوضع الجائحة بحديث جابر أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: «من باع ثمراً فأصابته جائحة فلا يأخذ من أخيه شيئا علام يأخذ أحدكم مال أخيه». وما روي عنه أنّه قال: «أمر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بوضع الجوائح». فعمدة من أجاز الجوائح حديثا جابر هذان، وقياس الشّبه أيضا، وذلك أنّهم قالوا: إنّه مبيع بقي على البائع فيه حقّ توفية، بدليل ما عليه من سقيه إلى أن يكمل، فوجب أن يكون ضمانه منه أصله سائر المبيعات الّتي بقي فيها حقّ توفية، والفرق عندهم بين هذا المبيع وبين سائر البيوع أنّ هذا بيع وقع في الشّرع، والمبيع لم يكمل بعد، فكأنّه مستثنى من النّهي عن بيع ما لم يخلق، فوجب أن يكون في ضمانه مخالفا لسائر المبيعات. القول الثّاني: عدم وضع الجائحة مطلقا: وهو قول أبي حنيفة والشّافعيّ في الجديد. واستدلّوا بتشبيه هذا البيع بسائر المبيعات، وأنّ التّخلية في هذا المبيع هو القبض. وقد اتّفقوا على أنّ ضمان المبيعات بعد القبض من المشتري، ومن طريق السّماع أيضا حديث أبي سعيد الخدريّ قال: «أجيح رجل في ثمار ابتاعها وكثر دينه، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: تصدّقوا عليه، فتصدّق عليه فلم يبلغ وفاء دينه. فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: خذوا ما وجدتم وليس لكم إلاّ ذلك» قالوا فلم يحكم بالجائحة. وأيضاً فإنّ أمره صلى الله عليه وسلم إيّاهم بالتّصدّق عليه وأمر غرمائه بأخذ ما وجدوا لا يدلّ على وجوب وضع الجائحة، إذ لو كانت توضع لم يفتقر إلى أمره إيّاهم بالصّدقة عليه والأخذ فيكون الأمر محمولا على الاستحباب، أو فيما بيع قبل بدوّ الصّلاح. القول الثّالث: التّفريق، فيوضع الثّلث وما زاد عنه، ولا يوضع أقلّ منه، وهذا قول المالكيّة ورواية عند الحنابلة لقوله صلى الله عليه وسلم: «الثّلث والثّلث كثير».
11 - لو اكترى أرضا للزّراعة ففسد الزّرع بجائحة فلا يحطّ شيء من الأجرة عند الشّافعيّة ولا شيء على المؤجّر فيما قبضه من الأجرة عند الحنابلة، وصرّح الحنابلة أنّه إن لم يكن المؤجّر قبضها فله طلبها ; لأنّها تستقرّ بمضيّ المدّة انتفع المستأجر أو لم ينتفع. ولو فسدت الأرض في أثناء مدّة الإجارة بجائحة ثبت الرّدّ عند الشّافعيّة فإن أجاز المستأجر الإجارة أجازها بجميع الأجرة كما في البيع، وإن فسخ رجع بأجرة باقي المدّة واستقرّت أجرة ما استوفاه من المدّة على الأصحّ، ويوزّع المسمّى على المدّتين باعتبار القيمة لا باعتبار المدّة. وجاء في كشّاف القناع من كتب الحنابلة عن ابن تيميّة في الأجوبة المصريّة أنّه لو استأجر بستانا أو أرضا وساقاه على الشّجر بجزء من ألف جزء إذا أتلف الثّمر بجراد ونحوه من الآفات السّماويّة فإنّه يجب وضع الجائحة عن المستأجر صورة المشتري حقيقة فيحطّ عنه من العوض بقدر ما تلف من الثّمرة سواء كان العقد فاسدا أو صحيحا لعموم حديث جابر الّذي ورد فيه الأمر بوضع الجوائح. أي لأنّه شراء للثّمرة حقيقة وإن كان في الصّورة إجارة ومساقاة.
12 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ على الغاصب ردّ المغصوب ويلزمه ضمانه بالتّلف أو الإتلاف لقوله صلى الله عليه وسلم: «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّيه» فإن تعيّب بسماويّ يخيّر المالك بين أخذ المغصوب بلا أرش لعيبه وتركه وأخذ قيمته منه يوم غصبه بلا فرق بين قليل العيب وكثيره عند المالكيّة.
13 - الأصل أنّ الوديعة إذا تلفت بأمر سماويّ فلا يضمنها المودع لأنّ يده يد أمانة فلا يضمن إلاّ بتعداد تفريط، وانظر للتّفاصيل مصطلح (وديعة).
14 - ذكر الحنفيّة أنّ المهر المعيّن إذا تلف بآفة سماويّة في يد الزّوج فإنّ للمرأة الخيار بين أن تأخذه على حاله أو تضمّنه قيمته يوم العقد غير أنّها لا تضمّنه النّقصان إذا اختارت أخذه. وعند المالكيّة في وضع الجائحة في المهر قولان: أحدهما: قول ابن القاسم: لا توضع فيه جائحة لأنّ هذا العقد لا يقتضي المغابنة والمكايسة وإنّما يقتضي المواصلة والمكارمة، ووضع الجائحة ينافي ذلك. ثانيهما: قول ابن الماجشون: توضع فيه الجائحة لأنّه عقد ثبت فيه الرّدّ بالعيب فثبت فيه وضع الجائحة كالبيع. وذكر الشّافعيّة في كيفيّة ضمان الزّوج للصّداق فيما إذا أصدقها عينا وتلفت في يده قولين: أظهرهما: وهو الجديد أنّه ضمان عقد كالمبيع في يد البائع، والثّاني: وهو القديم أنّه ضمان يد كالمستعار والمستام، وفرّعوا على هذين القولين مسائل منها: تلف الصّداق المعيّن في يد الزّوج فعلى أنّه ضمان عقد ينفسخ عقد الصّداق ويقدّر عود الملك إليه قبيل التّلف حتّى لو كان عبدا كان عليه مؤنة تجهيزه لو مات، كالعبد المبيع يتلف قبل القبض ولها عليه مهر المثل، وإن قلنا ضمان اليد تلف على ملكها حتّى لو كان عبدا فعليها تجهيزه، ولا ينفسخ الصّداق على هذا القول، بل بدل ما وجب على الزّوج تسليمه يقوم مقامه، فيجب لها عليه مثل الصّداق، إن كان مثليّا، وقيمته إن كان متقوّما. والمذهب عند الحنابلة أنّ ما تلف من الصّداق وهو في يد الزّوج بسماويّ، فما جاز لها التّصرّف فيه قبل قبضه، وهو ما لم يكن مكيلا ولا موزونا، فهو من ضمانها إن تلف أو نقص، وما لا تصرّف لها فيه قبل قبضه وهو ما عدا المكيل والموزون، فهو من ضمان الزّوج، وإن منعها الزّوج قبضه أو لم يمكّنها منه، فهو من ضمانه على كلّ حال، لأنّ يده متعدّية فضمنه كالغاصب.
انظر: جواز.
1 - الجائزة: العطيّة إذا كانت على سبيل الإكرام يقال: أجازه أي: أعطاه جائزة. والجمع جوائز. وقريب منها التّحفة فهي ما أتحفته غيرك من البرّ. قال صاحب اللّسان: " وأصلها أنّ أميرا واقف عدوّا وبينهما نهر فقال: من جاز هذا النّهر فله كذا، فكلّما جاز منهم واحد أخذ جائزة " وقال أبو بكر في قولهم: أجاز السّلطان فلانا بجائزة: أصل الجائزة أن يعطي الرّجل الرّجل ماء ويجيزه ليذهب لوجهه فيقول الرّجل إذا ورد ماء لقيّم الماء: أجزني ماء، أي: أعطني ماء حتّى أذهب لوجهي وأجوز عنك، ثمّ كثر هذا حتّى سمّوا العطيّة جائزة. وقال الأزهريّ: الجيزة من الماء مقدار ما يجوز به المسافر من منهل إلى منهل، يقال: اسقني جيزة وجائزة وجوزة: وفي الحديث: «الضّيافة ثلاثة أيّام، وجائزته يوم وليلة، وما زاد فهو صدقة» أي: يضاف ثلاثة أيّام، فيتكلّف له في اليوم الأوّل بما اتّسع له من برّ وإلطاف، ويقدّم له في اليوم الثّاني والثّالث ما حضره، ولا يزيد على عادته، ثمّ يعطيه ما يجوز به مسافة يوم وليلة، وهي قدر ما يجوز به المسافر من منهل إلى منهل، فما كان بعد ذلك فهو صدقة ومعروف، إن شاء فعل وإن شاء ترك... وقال الجوهريّ: أجازه بجائزة سنيّة أي بعطاء... وفي الحديث: «أجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم» أي: أعطوهم الجيزة (أي الجائزة) ومن حديث العبّاس رضي الله تعالى عنه: «ألا أمنحك ألا أجيزك» أي أعطيك، والأصل الأوّل، ثمّ استعير لكلّ عطاء. ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ.
أ - المكافأة: 2 - هي مصدر كافأ، يقال: كافأه على الشّيء مكافأة وكفاء أي جازاه، وكافأ فلان فلانا: ماثله. واصطلاحاً عرّف الرّاغب الأصفهانيّ المكافأة بأنّها: المساواة والمقابلة في الفعل، أو مقابلة نعمة بنعمة هي كفؤها. وعرّفها الجرجانيّ بأنّها: مقابلة الإحسان بمثله أو زيادة. فالجائزة تكون بلا مقابل، أمّا المكافأة فتكون بمقابل وتكون مماثلة على الأقلّ. ب - الأجر: 3 - من معاني الأجر: الجزاء على العمل، والثّواب، والذّكر الحسن، والمهر. والأجر قد يكون دنيويّاً أو أخرويّاً، ويقال فيما كان عن عقد وما يجري مجرى العقد، ولا يقال إلاّ في النّفع دون الضّرّ. والفرق بين الجائزة والأجر، أنّ الجائزة بلا مقابل ولا تعاقد ولا علم بها، أمّا الأجر فيخالف في كلّ ذلك. ج - الجزاء: 4 - هو مصدر جزى، يقال: جزى الشّيء يجزي أي كفى، وجزى عنه أي قضى، والجزاء يكون منفعة أو مضرّة أي بالمقابلة إن خيرا فخير كقوله تعالى: {وذلكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى} وإن شرّاً فشرّ كقوله سبحانه: {وجَزَاءُ سَيِّئةٍ سَيِّئةٌ مثلها} ويقال فيما كان عن عقد وغير عقد، وقد ورد في القرآن الكريم لفظ جزى دون جازى، لأنّ المجازاة هي المكافأة أي مقابلة نعمة بنعمة هي كفؤها، ونعمة اللّه لا كفء لها، ولهذا لا يستعمل المكافأة في حقّ اللّه تعالى. والجزاء يكون بمقابل ويكون بالمنفعة أو المضرّة بخلاف الجائزة. د - الجعل: 5 - الجعل: لغة ما يجعل للعامل على عمله، وهو أعمّ من الأجر والثّواب. واصطلاحاً: المال المعلوم سمّي في الجعالة لمن يعمل عملاً مباحاً ولو كان مجهولا في القدر أو المدّة أو بهما. فالفرق بينه وبين الجائزة أنّ الجائزة عطيّة بلا مقابل.
6 - الأصل إباحة الجائزة على عمل مشروع سواء أكان دينيّا أو دنيويّا لأنّه من باب الحثّ على فعل الخير والإعانة عليه بالمال وهو من قبيل الهبة. ويختلف الحكم التّكليفيّ للجائزة باختلاف مبحثها الفقهيّ. وهناك مواطن للجائزة لها حكم خاصّ منها: جائزة السّلطان، والجائزة في السّباق (السّبق). أوّلاً: جائزة السّلطان: 7 - اختلف الفقهاء في قبول جائزة السّلطان أو هديّته: فذهب الحنفيّة إلى أنّه لا يجوز قبول هديّة أمراء الجور، لأنّ الغالب في مالهم الحرمة إلاّ إذا علم أنّ أكثر المال حلال، بأن كان لصاحبه تجارة، أو زرع، فلا بأس به، لأنّ أموال النّاس لا تخلو عن قليل حرام فالمعتبر الغالب. وأمّا جائزة السّلطان الّذي لم يعرف بالجور فقال الفقيه أبو اللّيث: إنّ النّاس اختلفوا في أخذها، فقال بعضهم: يجوز ما لم يعلم أنّه يعطيه من حرام، قال محمّد بن الحسن: وبه نأخذ ما لم نعرف شيئاً حراماً بعينه، وهو قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وأصحابه. وقال القليوبيّ من الشّافعيّة: لا يحرم الأكل ولا المعاملة، ولا أخذ الصّدقة، والهديّة، ممّن أكثر ماله حرام إلاّ ما علم حرمته، ولا يخفى الورع. وقال الإمام أحمد في جائزة السّلطان: أكرهها، وكان يتورّع عنها، ويمنع بنيه وعمّه من أخذها، وأمرهم بالصّدقة بما أخذوه، وذلك لأنّ أموالهم تختلط بما يأخذونه من الحرام من الظّلم وغيره فيصير شبهة، وقد قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «الحلال بيّن والحرام بيّن، وبينهما مشتبهات لا يعلمها كثير من النّاس، فمن اتّقى الشّبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشّبهات كراع يرعى حول الحمى، يوشك أن يواقعه، ألا وإنّ لكلّ ملك حمى، ألا إنّ حمى اللّه في أرضه محارمه» وقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك». واحتجّ أحمد بأنّ جماعة من الصّحابة تنزّهوا عن مال السّلطان، منهم: حذيفة، وأبو عبيدة، ومعاذ، وأبو هريرة، وابن عمر، رضي الله تعالى عنهم. ولم ير أحمد ذلك حراماً، فإنّه سئل فقيل له: مال السّلطان حرام ؟ فقال: لا، وأحبّ إليّ أن يتنزّه عنه، وفي رواية قال: ليس أحد من المسلمين إلاّ وله في هذه الدّراهم حقّ، فكيف أقول إنّها سحت ؟. وقال أحمد: جوائز السّلطان أحبّ إليّ من الصّدقة، يعني أنّ الصّدقة أوساخ النّاس صين عنها النّبيّ صلى الله عليه وسلم وآله لدناءتها ولم يصانوا عن جوائز السّلطان. ثانياً: جائزة السّبق " الجعل ": 8 - السّبق - بسكون الباء - مصدر سبق، والسّبق - بفتح الباء - الجعل أي المال الّذي يوضع بين المتسابقين ليأخذه السّابق، أي الجائزة. ويعبّر الفقهاء بالسّبق، أو السّباق، أو المسابقة، ويريدون ما يعمّ سباق الخيل أو الإبل والرّمي، لقول الأزهريّ: النّضال في الرّمي، والرّهان في الخيل، والسّباق يكون في الخيل والرّمي، كما في قوله تعالى: {إنَّا ذَهبنَا نَسْتَبِق} قيل: معناه ننتضل بالسّهام. وقد يعبّرون عن المسابقة في الرّمي بالسّهام بلفظ المناضلة أي المباراة والمغالبة في الرّمي، من قولهم: ناضلته فنضلته، كغالبته فغلبته، وزناً ومعنى. 9- والأصل في مشروعيّة المسابقة السّنّة والإجماع. فمن السّنّة ما روى ابن عمر رضي الله عنهما «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل المضمرة من الحفياء إلى ثنيّة الوداع ستّة أميال أو سبعة وبين الخيل الّتي لم تضمر من ثنيّة الوداع إلى مسجد بني رزيق». متّفق عليه. وأجمع المسلمون على جواز المسابقة في الجملة. 10 - والمسابقة على ضربين: مسابقة بعوض وهو الجعل أو الجائزة، ومسابقة بغير عوض. فإن كانت المسابقة بغير جعل فتجوز من غير تقييد بشيء معيّن، لما روي أنّ «النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان في سفر مع عائشة رضي الله تعالى عنها فسابقته على رجلها فسبقته، قالت رضي الله عنها: فلمّا حملت اللّحم سابقته فسبقني فقال: هذه بتلك السّبقة». ولخبر البخاريّ: «خرج النّبيّ صلى الله عليه وسلم على قوم من أسلم ينتضلون فقال: ارموا بني إسماعيل فإنّ أباكم كان رامياً». ويتغيّر الحكم إذا قصد بالمسابقة التّلهّي أو المفاخرة فتكون مكروهة، أمّا إذا قصد بها التّقوّي والاستعداد للجهاد فإنّها تكون مندوبة، بل تكون واجبة على الكفاية إذا لم يتمّ التّقوّي على الجهاد والإعداد للقاء العدوّ إلاّ بها، لقول اللّه تعالى: {وَأَعِدُّوا لهم ما اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ومِنْ رِبَاطِ الخَيلِ} وإن كانت المسابقة بجائزة فقد اتّفق الفقهاء على مشروعيّتها في الخيل، والإبل، والسّهم، لحديث: «لا سبق إلاّ في خفّ، أو حافر، أو نصل». وقالوا: إنّها تكون في هذه الثّلاثة مندوبة إذا قصد بها الإعداد للجهاد، بل تكون واجبة على الكفاية إذا لم يتمّ الإعداد للجهاد إلاّ بها. 11 - واختلف الفقهاء في مشروعيّتها في غير الخيل، والإبل، والسّهم، وتفصيل ذلك في " سباق ". والجعل أو الجائزة - يجوز بشروط، منها: كونه معلوماً جنساً، وقدراً، وصفة، وممّا يصحّ بيعه. والجائزة قد يخرجها الإمام أو غيره، أو أحد المتسابقين،أو كلّ منهما. فإن أخرجها الإمام أو غيره، أو أحد المتسابقين ليأخذها السّابق منهما فقد اتّفق الفقهاء على أنّ عقد السّبق صحيح والجعل حلال. وإن أخرجها المتسابقان ليأخذها السّابق منهما لم تصحّ المسابقة ولم يحلّ الجعل لأنّ ذلك قمار وهو حرام. وعند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة تصحّ المسابقة، ويحلّ الجعل في حالة إخراجه، أو اشتراطه من المتسابقين إذا أدخلا بينهما محلّلا يخرج عقد المسابقة عن صورة القمار، يغنم إن سبق ولا يغرم إن سبق، على أن يكون فرسه أو بعيره أو رميه مكافئا لفرسيهما، أو بعيريهما، أو رمييهما، ويتوهّم أن يسبقهما أي يجوز أن يسبق أو يسبق، بخلاف ما إذا كان ضعيفا عنهما بحيث لا يتصوّر سبقه، أو قويّا بحيث يسبق لا محالة، فإنّ السّباق لا يصحّ، والجعل لا يحلّ، لأنّه يكون قمارا، ولذلك لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «من أدخل فرساً بين فرسين وهو لا يؤمن أن يسبق فليس بقمار، ومن أدخل فرساً بين فرسين وقد أمن أن يسبق فهو قمار» رواه أبو داود. 12 - والجائزة في حالة وجود المحلّل تستحقّ على النّحو التّالي: إن جاء المتسابقان والمحلّل كلّهم دفعة واحدة أحرز كلّ منهما سبق نفسه ولا شيء للمحلّل لأنّه لا سابق فيهم، وكذلك إن سبقا المحلّل، وإن سبق المحلّل وحده أحرز السّبقين بالاتّفاق، وإن سبق أحدهما أحرز سبق نفسه، وأخذ سبق صاحبه ولم يأخذ من المحلّل شيئا، وإن سبق أحدهما والمحلّل أحرز السّابق مال نفسه، ويكون سبق المسبوق بين السّابق والمحلّل نصفين. وقال المالكيّة: إن أخرج كلّ من المتسابقين جعلا متساويا أو مختلفا ليأخذه السّابق منهما في الجري أو الرّمي فيمنع لأنّه ظاهر في القمار، ومنع الشّرع في باب المعاوضة من اجتماع العوضين لشخص واحد، ويظلّ الحكم المنع ولو بمحلّل لم يخرج شيئا يمكن سبقه لهما في الجري والرّمي على أنّ من سبق أخذ الجميع، لعود الجعل إلى مخرجه على تقدير سبقه.
1 - الجائفة لغة الجراحة الّتي وصلت الجوف. فلو وصلت إلى جوف عظم الفخذ لم تكن جائفة لأنّ العظم لا يعدّ مجوّفا. ولا يخرج معناها الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ، فهي الجرح الّذي ينفذ ويصل إلى جوف، كبطن، وصدر، وثغرة نحر، وجنبين، وخاصرة، ومثانة، وعجّان، وكذا لو أدخل من الشّرج شيئاً فخرق به حاجزاً في البطن. ولو نفذت الطّعنة أو الجرح في البطن وخرجت من محلّ آخر فجائفتان. وتحصل الجائفة بكلّ ما يفضي إلى باطن جوف، فلا فرق بين أن يجيف بحديدة أو خشبة محدّدة، ولا بين أن تكون الجائفة واسعة أو ضيّقة ولو قدر إبرة.
2 - اتّفق الفقهاء على أنّه لا قصاص في الجائفة. وأنّ فيها ثلث الدّية سواء أكانت عمدا أم خطأ، لحديث عمرو بن حزم في كتابه، وحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه الّذي فيه: «وفي الجائفة ثلث الدّية». وعليه الإجماع، ولأنّه لا تؤمن الزّيادة فيها فلم يجب فيها قصاص ولحديث ابن عبّاس: «لا قود في المأمومة ولا الجائفة». واتّفقوا في الجائفة إذا نفذت من جانب لآخر أنّها جائفتان في كلّ منهما ثلث الدّية. وإن خرقت جائفة البطن الأمعاء، أو لذعت كبدا أو طحالا، أو كسرت جائفة الجنب الضّلع، ففيها مع الدّية حكومة عدل. ومن مات بجائفة فيتعيّن القتل بالسّيف على الجاني - عند من لا يرى القود إلاّ بالسّيف - لتعذّر المماثلة فيه، وهو المعتمد عند الحنابلة، وفي قول: يفعل به كفعله أي يجاف مع قتله بالسّيف وهو المعتمد عند الشّافعيّة، ويذكرون أحكاماً فيمن أجاف شخصاً جائفتين بينهما حاجز، وفيمن التحمت جائفته ففتحها آخر، وفيمن وسّع جائفة غيره في أبواب الدّيات من كتب الفقه. 3 - وذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ من داوى جائفة بدواء فوصل إلى جوفه، فإنّه يفسد صومه وعليه القضاء وإن لم يصل الدّواء إلى باطن الأمعاء، وذلك لأنّه أدخل شيئا إلى جوفه باختياره. وذهب المالكيّة وأبو يوسف ومحمّد بن الحسن من الحنفيّة وابن تيميّة إلى أنّ صومه لا يفسد، ولا شيء عليه، سواء أكان الدّواء مائعا أم غير مائع، لأنّ ذلك لا يصل إلى مدخل الطّعام والشّراب. 4 - وذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه لا تثبت الحرمة بالرّضاع بإقطار اللّبن في الجائفة ما لم يصل اللّبن إلى المعدة لخرق في الأمعاء مثلا ; لأنّ وصول اللّبن إلى الجوف لا يحصل به التّغذّي، والحرمة إنّما تثبت بما ينبت به اللّحم، وينشز به العظم ويندفع به الجوع. وذهب بعض الحنفيّة والشّافعيّة في القول الآخر إلى أنّه يحصل التّحريم بوصول اللّبن إلى جوف الرّضيع ولو من جائفة. وتوقّف العلّامة الأجهوريّ من المالكيّة في اللّبن الواصل للجوف من ثقبة في حين رجّح الشّيخ النّفراويّ التّحريم.
انظر: جوار، شفعة.
|